كلنا أخوة بالمسيح والدين دعونا لانغفل عن تاريخ الآشوريين

زائر

يفتح التاريخ بوابته على مصراعيها، فاسحاً المجال أمام أعيننا لتلتهم مناظر العظمة ومظاهر الأبّهة، ويقودنا من أيادينا في جولة على عربة تقودها أحصنة الدهشة عبر نينوى وآشور ونمرود ودورشروكين، ثم يقف بنا على تلالها موضحاً..

هنا.. ترقد حضارة آشور التي امتد العمر بها ما يقرب من ألف عام (1521 - 612) ق.م في القسم الشمالي من بلاد الرافدين.. وانضوت في حقبة من حقب عمرها المديد تحت حكم البابليين حين دحرهم حمورابي قادماً من الجنوب.

آثارهم دليل على حضارة عميقة أنجبت قادة عظماء أثخنتهم الحروب وصقلتهم المواقف بسبب ما كان يحيق بهم من أخطار تنزع إلى السيطرة عليهم.

وإذ سقطت بابل، وقف الآشوريون ليأخذوا دورهم في توحيد شمال العراق بجنوبه، وليقفوا سداً لا يتهاوى أمام ضربات الطامعين ممن سعوا لاحتلال العراق. وكنتيجة حتمية لهذه الوحدة، تعزز التمازج البشري واغتنت البلاد بالمبتكرات الحضارية حتى قويت واشتد عودها فصار لها كيان سياسي مستقل جعلها واحدة من أكبر الامبراطوريات القديمة التي يحسب لها ألف حساب، والتي امتدت لتضم إليها معظم أقاليم الشرق الأدنى القديم حاملة معها قناديل حضارتها ولغتها وكتابتها المسمارية، لتضيء عتمة المتهالكين على أسرّة الكسل.

هنا.. ترقد آشور.. بقصورها التي تزين جدرانها جداول حجرية منقوشة بوضوح تمثل لقطات من حروبهم، وصوراً من صيدهم، ومشاهد من طقوس عباداتهم.

يذهلك قصر «آشور بانيبال» (668 631- ق.م) في نينوى، وهو آخر أباطرتهم المشهورين العظام، وعلى حائط تتقرّى تفاصيل مذهلة عن طريقة صيد الأسد التي كان الآشوريون يعتزون بها أيما اعتزاز، ويُرى الملك وهو يستلّ قوسه.
وتكاد لا تصدق عينك إذ ترى روعة التصميم الفاخر لخوذته وكسوته وقرطه المتدلي من أذنيه الشبيه بقرطٍ وجده الباحثون في قبور الملكات في مدينة نمرود..
بلى.. كان صيد الأسود رياضة ملكية لا يستغني عنها ملوكهم لأنه دليل على تفوقهم وقوتهم ومصدر لإلقاء الرعب في نفوس أعدائهم.
إنه جمال مهيب مفعم بالجلال.

مكتبة الآشوريين
أباطرة آشور قاطبة اعتنوا بالعلم والمعرفة والكتابة. وكان الملك منهم يربي ولي عهده على أسس هذه المعرفة فيختصه بمعلّمٍ يؤدبه..

وربما كانت مكتبة آشور بانيبال أهم مكتبة في الشرق الأوسط تحتوي على أكثر من عشرين ألف رُقُم طيني، حين فُكّت رموزها أحدثت ضجة كبيرة في لندن في أوساط المثقفين، ومنها عرفوا أن آشور بانيبال لم يكن ملكاً دموياً -كما كانوا يعتقدون- بل هو عالم وأديب مثقف وقائد عسكري حكيم، وكان ملماً بجميع العلوم والحساب كما كتب في أحد الرقم.

في غرفة السجلات في المكتبة ستعثر على نسخ حجرية تحكي تاريخ الآشوريين وتلقي الضوء على طريقة حياتهم.

نهاية آشور
ملوك ضعاف -لاريب- حكموها في آخر عهدها، بعد آشور بانيبال، فطمعت بها عيلام في غربي إيران وراحت تمارس تحريضاً عليها، في وقت كان فيه اليهود في فلسطين يمارسون الشغب ضدها (هل يعيد التاريخ نفسه؟) مستغلين صراعاً كان يدور بينها وبين الدولة المصرية.

في ذلك الوقت ظهر الكلديون يقودهم زعيم قوي هو نابو - بولاصر الذي نصب نفسه ملكاً على بابل سنة 626ق.م ليبسط نفوذه على كل العراق بما فيها الدولة الآشورية، لتندمج حينذاك بامبراطورية جديدة وتضيع معالمها.

بقايا الآشوريين الآن
مازال ثمة في شمال العراق وشمال سورية بعض منهم، لهم مدن وقرى يعيشون فيها معتمدين على الزراعة، وأهمها غلال العنب الذي اشتهر باسمهم. ومازالوا يفتخرون بكونهم منحدرين من سلالة شعب عظيم امتد نفوذه طويلاً وخلّف لنا ما يقنعنا بأن العولمة لن تستطيع محو التاريخ، كما لن تستطيع الريح العابرة اقتلاع الأشجار ذات الجذور العميقة الضاربة في الأرض.

موضوع منقول